Menu

الرصيف المائي ملغّم  و التكنوقراط  في الامتحان   

حمدي فراج

خاص - بوابة الهدف

 

 

كتب حمدي فراج

 

سيتذكر الناس مجازر "الطحين الأحمر" والرصيف المائي "الميناء المؤقت" ردحاً طويلاً من الزمن، و سيكتشفون أن إسرائيل في حربها الإبادية على غزة قد تجاوزت تحقيق أهدافها المعلنة (القضاء على حماس وإعادة المحتجزين) إلى تحقيق ما هو أبعد من ذلك بكثير.

 

تكشف الأمر في الأسابيع الأولى أو الأشهر الأولى في نزعة ثأرية انتقامية غرائزية تحت شعار "حق الدفاع عن النفس" الذي طال تدمير غزة دماراً مطبقاً، ولم يعد خافياً أن الهدف أصبح شأناً تاراخياً "إسرائلياً يهودياً توراتياً" صرفا، ملخصه إنهاء القضية الفلسطينية برمتها، تمثل هذا في إجماعين كبيرين، الأول رفض فكرة وقف "الحرب" على غزة، حتى لو أدى ذلك إلى قتل نصف المختطفين، والثاني رفض فكرة إقامة دولة فلسطينية حتى لو كانت على النمط الأميركي منزوعة السلاح والاستقلال والحرية.

 

بعد ستة أشهر تظهر فجأة فكرة الميناء المؤقت لتوصيل المساعدات الإنسانية بمبادرة أميركية ومباركة عربية وموافقة إسرائيلية، ورغم أن التنفيذ سيستغرق شهرين، والتمويل عربي (إماراتي قطر ي)، فالأولى أن يتم إدخال آلاف الشاحنات المُنتظرة عند معبر رفح (المصري الفلسطيني) منذ عدة أشهر، والأولى أن يتم استخدام ميناء أسدود الدولي الذي لا يبعد عن غزة سوى بضعة أميال بحرية، والأولى من هذا وذاك، هو وقف إجراءات التجويع حيث بدأ الناس يتساقطون جوعاً وخاصة في صفوف الأطفال، ناهيك عن محاصرة الجائعين الهارعين إلى بعض الشاحنات التي سمحت إسرائيل بدخولها ورميهم بالرصاص.

 

إدخال مليوني وجبة طعام يومياً عبر الميناء الإنساني المزعوم، يفتح شهية البعض للاشراف على توصيل هذه المساعدات، فلو كان سعر الوجبة الواحدة عشرة دولارات (سعر ساندويش ماكدونالد)، فإن الحديث هنا يدور عن عشرين مليون دولار في اليوم، ما يزيد على نصف مليار دولار في الشهر. و جاء الموقف العشائري الذي راهنت عليه إسرائيل موقفاً رافضاً أبياً مشرفاً، ذلك أن العشائر تنتمي للشعب والوطن، لا للطبقة أو للبنك، كما ينظر الكثيرون ممن تاجروا في القضية وخبرناهم عن قرب خلال الثلاثين سنة الماضية .

 

من بين من تم طرحهم لتسلم هذه المهمة القذرة، بالإضافة للعشائر، حركة فتح والدحلان والإدارة المدنية وجمعيات دولية وحكومة السويد وحكومة التكنوقراط التي تم ترسيم رئيسها قبل يوم أو يومين فعلياً، إننا بالطبع لا نريد لهذه الحكومة أن تتورط في هذا الشأن الخلافي قبل أن تحصل على مرجعية وطنية تتمثل في منظمة تحرير موحدة تضم فصائل المقاومة وبالتحديد حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وإن استناد هذه الحكومة التكنوقراطية إلى جيش فلسطيني يتم إعداده أميركياً لن يغير من طبيعة المهمة وما تنطوي عليه من مخاطر وتعقيد. ولو كان المقصد سليماً ونظيفاً، فإن أهل غزة القادرين على مجابهة إسرائيل وأميركا بأرواحهم وأمعائهم الخاوية وإرادتهم الحرة، قادرون بالتأكيد على توزيع مساعدات، وخصوصاً انها مغمسة بدمهم، الدفاع المدني قادرعلى ذلك، البلديات، لجان محلية في كل قرية ومخيم وشارع.

 

*كاتب فلسطيني